❗️sadawilaya❗
"انتهاء زمن تصدير الثورة"… عبارة لا تقل تضليلًا عن أسطوانة كذب "أسلحة الدمار الشامل" في العراق أو وعود تفكيك البرنامج النووي الليبي. هي مجرد نسخة مكررة من بروباغندا ممولة، لا تصدر عن عقل حرّ، بل عن ذهن مأزوم، يسعى إلى التسلق لا القيادة، مدفوعًا بإرادات خارجية، ليصل إلى منصب حكومي طالما حلم به، لا خدمةً للوطن، بل نكايةً في الأقارب وتفريغًا لعقدٍة شخصيةٍ ملازمة: كيف لأبناء العم أن يصبحوا رؤساء، وأنا لا؟
رئيس الحكومة اللبنانية، الذي وصل إلى السراي بفضل تصدير الثورة الأمريكية ، فجّر الجدل بتصريحه بأن "زمن تصدير الثورة الاسلامية في ايىان، قد انتهى". الجدل لم يكن بسبب مضمون العبارة فقط، بل بتوقيتها، في لحظة إقليمية متفجرة، ولأنّها صدرت عن شخصية قضت عمرها في العمل الدبلوماسي والقضائي الدولي، ويفترض بها أن تكون أكثر تعقلًا واتزانًا. لكن حين يتحوّل الخطاب إلى هجوم أيديولوجي مباشر، يصبح من المشروع أن نسأل: هل يدرك نواف سلام فعلًا معنى ومفهوم "الثورة" التي يتحدث عنها هو كان العروبي القوني في يوم من الايام؟ أم أن موقفه هذا انعكاس لانتماء أعمق إلى منظومة الهيمنة الغربية، التي تعيد تعريف القيم وفقًا لمصالحها الاستراتيجية؟
الثورة، يا دولة الرئيس، في جوهرها تمرّد على بنية الظلم والفساد والاستغلال السائدة، من أجل بناء واقع أكثر عدالة وكرامة. والتاريخ مليء بدوراتها المتجددة. وأنت، شاءت الظروف أو شاءت انتماءاتك، أحد أبناء هذه الدورات بغض النظر عن الموقف من هذه الثورة التي صدرت.
والتصويب على مذهبية الثورة الايرانية معيب..لان الثورة في ايران، هي ثورة مبادئ وليس مصالح. ثورة حق صد باطل،.ثورة المقاومة ضد الاختلال الاسرائيلي.. فخير نفسك في موقع تكون من هذه الثورة.
أما "تصدير الثورة"، كما تطرحه، فليس إلا نسخة مهجّنة من الخطاب الاستعلائي الذي لطالما أنتجته المدرسة الغربية في سياق شيطنة كل من يخرج عن أدواتها وآلياتها. فهل يستطيع نواف سلام، المثقّف الغربي الهوى، أن يميّز بين الثورة كقيمة إنسانية نبيلة، وبين توظيفها كأداة سياسية؟ أم أن انخراطه في الثورة الرأسمالية النيوليبرالية الاستعمارية ـ كما يصفها كثير من المفكرين ـ قد أفقده هذه القدرة على التمييز؟
بعض المراقبين يذهبون أبعد من ذلك، ويرون أن سلام لا يهاجم الثورة لأنه يرفض تدخل الدول، بل لأنه مجرّد موظف مأمور، يتلقّى تعليماته ممن صدّره إلى لبنان. هو مرتاح في موقع التبعية السياسية لمنظومة لا تقبل بنموذج مستقل، إسلاميًا كان أو قوميًا أو يساريًا أو حتى إنسانيًا عادلًا.
هذا الخطاب ليس جديدًا في لبنان، بل يجد صداه في ذاكرة شعب خبر مرارة التدخلات الخارجية، وذاق ويال الصراعات الامريكية الاسرائيلية وحاطلفائهما على ارضه، التي "يزعق" بعض من فيها بشعارات "السيادة" و"الشرعية الدولية" الزائفة.
أين نواف سلام من " الثورة التي تصدر الأسلحة الأمريكية" إلى إسرائيل، تلك التي ترتكب بها المجازر بحق أبناء شعبه وأهله واسلامهم في فلسطين؟
أين هو من الأطفال المذبوحين تحت وابل الصواريخ، وهو الذي يفترض أنه كان يومًا "القاضي الأمين المؤتمن" على العدالة الدولية، لا الإسلامية فقط؟ أليس الأجدر به أن يتحدث عن هذه الثورة الدموية الحقيقية المخالف لكل القيم الانسانية، والمرتقية الى اعلى مراتب الوحشية والاجرام؟ بدلًا من انتقاء شعارات هجومية ضد نموذج آخر، لا يريده الغرب أن ينجح؟
مع العلم ان تسويق تصدير الثورة المقصود، بروبغندا سياسية، لا أكثر
أخطاء سلام تتكرر... فهل هي عن تقصير؟ أو قصور؟ في الحالتين، هي تعبير عن عجز فكري، والتزام أعمى بخطاب مفروض عليه.
المشهد الأكثر إيلامًا، أن نواف سلام ينتمي إلى عائلة آل سلام العريقة، التي شكّلت جزءًا مهمًا من نسيج بيروت السياسي والوطني. لكنّ بعض المراقبين يرون أن اديه عقدة شخصية قديمة مرتبطة برئاسة الحكومة، دون القول اكثر.. لكن عليه الا يشوه ارث العائلة.
المفارقة الأشد، أن سلام ترك منصبًا دوليًا مرموقًا، فقط ليلاحق حلم رئاسة حكومة مشلولة، في دولة مفلسة، ونظام طائفي مأزوم، وسلطة بلا صلاحيات. يبدو اليوم مستعدًا للتضحية بكل شيء: بمبادئه، بتاريخه، وحتّى باسمه العائلي، من أجل كرسي متصدّع.
ربما آن الأوان لنواف سلام أن ينظر في المرآة، ويسأل نفسه بصدق: هل هذا هو الموقع الذي يليق به؟ هل هذا هو الخطاب الذي أريده؟ بدل الانجرار إلى معارك أيديولوجية تقسم اللبنانيين وتخدم الخارج.
كان الأجدر به أن يبني خطابًا وطنيًا جامعًا. إن كان حريصًا على تاريخ آل سلام، وعلى بيروت، وعلى لبنان، فإن الاستقالة ـ أو على الأقل، مراجعة الخطاب ـ قد تكون أشرف وأنبل من الانحدار أكثر.
وإلّا، فلم يبق أمامه إلا سنة واحدة في هذا المنصب. وعليه أن يحسب بدقّة حسابات ما بعد الولاية. فهل ستعيده "سعادة القوى" مجددًا؟ أم أن الأمريكيين قد ينهون دوره، كما انهوا دور حلفاء لهم سابقا اهم منه بكثر ؟
وماذا لو اتفق "مصدّرو الثورة" مع مشغّليه، وقرروا ببساطة استبعاده من المعادلات المقبلة؟
فكر تربح